تتصدّر صور الأطفال الجوعى، بعظامهم البارزة تحت جلودهم النحيلة، الصفحات الأولى للصحف العالمية. تتحدث وكالات الإغاثة الآن بنفس الصوت الذي يصرخ به الفلسطينيون منذ شهور: هذه ليست أزمة إنسانية، بل مجاعة من صنع الإنسان. وترى سمية الغنوشي في مقال نشره موقع ميدل إيست آي أنها إبادة جماعية تُبث على الهواء مباشرة.
يشير تقرير لمنظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة في غزة تضاعفت ثلاث مرات خلال أسبوعين فقط، وربع النساء الحوامل والأطفال الذين جرى فحصهم يعانون سوء التغذية. ومع ارتفاع عدد الوفيات جراء الجوع منذ مايو – وأكثر من 50 وفاة في الأسبوع الأخير وحده – تؤكد الأمم المتحدة أن غزة لا تتلقى سوى 12% من حاجتها الغذائية. ثلث السكان يقضون أيامًا دون طعام. الأطفال يموتون جوعًا، الأمهات يسقطن من الإعياء، وقوافل الإغاثة تُمنع أو تُطلق عليها النيران.
سياسات على حساب الجوعى
تؤكد وحدة التصنيف المرحلي للأمن الغذائي (IPC) أن "أسوأ سيناريوهات المجاعة يتحقق حاليًا في غزة"، حيث تجاوزت المؤشرات عتبات المجاعة وتفاقم المرض. النتيجة المتوقعة بلا تدخل فوري: موت جماعي.
أما قادة "العالم الحر"، فجاء ردّهم بثلاث لهجات من القسوة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنكر المجاعة، كذّب بلا تردّد، ونسف جهود وقف إطلاق النار في الدوحة، ثم ألقى اللوم على حماس وغادر المشهد. رفض مقترحات حماس التي توافقت مع مطالب المجتمع الدولي: وقف دائم لإطلاق النار، انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المدنية، وتوزيع مساعدات عبر الأمم المتحدة. الإدارة الأمريكية فضّلت تحويل المساعدات إلى أداة عقاب، وأوكلت مهمة "الإغاثة" لمؤسسة إسرائيلية أمريكية ساعدت في تحديد "مناطق القتل"، بدلًا من إطعام الجوعى.
وثائق مسرّبة كشفت عن خطط لإنشاء "مخيمات عبور" بقيمة 2 مليار دولار، لإعادة "تثقيف" الفلسطينيين – استعمار في ثوب مساعدات. حتى الجيش الإسرائيلي أقرّ بأن حماس لم تسرق المساعدات، لكن الحصار يستمر، والجوع يُستخدم كسلاح.
قال نتنياهو بوضوح: "سندخل أقل قدر ممكن من المساعدات"، مما يثبت أن الجوع ليس نتيجة جانبية، بل استراتيجية مرسومة.
بين الوقاحة والتمثيل
بينما كان ترامب يلعب الجولف في اسكتلندا، كان يتفاخر بأن الولايات المتحدة أرسلت 60 مليون دولار لغزة دون أن تتلقى "كلمة شكر". استخفّ بالمجاعة ووصفها بـ"سوء تغذية على الأرجح"، وروّج كذبة سرقة حماس للمساعدات رغم نفي مسؤولين إسرائيليين. ترامب يريد التصفيق مقابل الفتات، وإلا فلا شيء.
أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فيتحدث بنبرة رزينة ويقترح علاج بعض الأطفال الفلسطينيين في بريطانيا، بينما يواصل تصدير السلاح لإسرائيل، بما في ذلك مكونات طائرات F-35. يدّعي أن إسقاط الطعام من الطائرات كافٍ، رغم أنه يقتل كما يُغيث. يرفض قول كلمة "إبادة جماعية"، ويتبع واشنطن طوعًا، رغم أنّ بريطانيا قادت وحدها الموقف في أوكرانيا سابقًا.
كان يمكنه تجميد صادرات الأسلحة، وفرض عقوبات على الشركات الداعمة للحصار، والانضمام لقضية المحكمة الدولية ضد إسرائيل، لكنه اختار التصرف كرجل متزن "يعرب عن القلق"، بينما الجثث تتراكم خلف الستار.
وهم ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية، لكن دون حدود أو عاصمة أو إنهاء للاحتلال. عرضٌ يبدو كالسحر السياسي، بينما الاحتلال يزداد شراسة. دعمه ليس أكثر من دخان يحجب واقع التطهير العرقي.
لو كان جادًا، لفرض عقوبات، وجمّد الأصول الإسرائيلية في فرنسا، ووقف حملات الاعتقال ضد المتظاهرين الفرنسيين المناصرين لفلسطين. لكنه يفضل الأداء على الفعل، ويقدّم الاعتراف كورقة مساومة، لا كحق ثابت.
يقلده ستارمر الآن، ويعرض الاعتراف بدولة فلسطينية كوسيلة ضغط على إسرائيل، لا كموقف مبدئي.
المسرحية مستمرة
بينما يموت الأطفال جوعًا، يؤدي هؤلاء القادة أدوارهم على المسرح. ترامب يسخر، وستارمر يراوغ، وماكرون يراوغ بأناقة. يقدمون تصريحات بدلاً من قرارات، ويستبدلون الشجاعة بالإيماءات.
يصفق العالم لأدائهم، بينما يُدفن الفلسطينيون بلا صوت. لا زعامة هنا، بل تمثيل. البدلات مصمّمة، والجبن أيضًا.
https://www.middleeasteye.net/opinion/trump-starmer-macron-theatre-of-inhumanity